صلاح الدين الأيوبي مثل للرجل الشرقي الطموح، الذي استطاع أن يحقق أهدافا عالية جعلت منه شخصية تصنع التاريخ. فهو لم يرث ملكا، وإنما تدرج من رئيس للشرطة بدمشق إلى قائد في حملة عمه شيركوه إلى وزير لخليفة مصر إلى نائب لسلطان الشام، ثم إلى سلطان يحكم إمبراطورية واسعة في الشام ومصر والجزيرة والحجاز واليمن وبرقة وطرابلس والنوبة، وقد كون لنفسه فيها أسرة حاكمة عرفت باسمه أو لقبه أو اسم أبيه أو أصله: الصلاحية أو الناصرية أو الأيوبية أو الأكراد.
وقد شعر صلاح الدين بالمذلة بسبب مجيء الأوروبيين، الفرنجة يستعمرون في الشرق باسم الدين، فوضع نصب عينيه أن يكون الشرق لأهله. لكن لما كانت دول الشرق متنازعة متنافرة، وجه همه الأول إلى تكوين جبهة متحدة تجمعهم ليجابهوا عدوهم القوي الذي استفاد من تشتتهم، فكان يكتب إلى ملوك الإسلام وبخاصة إلى خليفة المسلمين في العراق. ولم يكن وراء دعوته تعصب ديني كما كان الحال بالنسبة إلى الفرنجة، وإنما كان قصده أن يتجمع سكان الشرق، وأغلبيتهم من المسلمين لطرد الغزاة الأجانب.
ولما اطمأن إلى تضامن الشرقيين عمل على بث روح النضال بينهم، وقد هجر في سبيل الجهاد أهله وأولاده ووطنه وراحته ليقنع بالعيش في ظل خيمة، وكان شجاعا قوي النفس، عظيم الثبات، يطوف بين العسكر، ويدخل صفوف العدو، وفي فترة حكمه التي استمرت أربعا وعشرين سنة أمضى منها ستة عشرة سنة في الحملات. وبذلك أعاد للشرقيين ذكرى قوادهم العظام الذين يعيشون على رأس جنودهم في الميدان، يشاركونهم الأخطار.
وكان صلاح الدين يتميز بالبساطة بين ملوك عصره، ولم يكن يحب سكن القصور، وملابسه كانت من الكتان والقطن والصوف، وكان يعتبر نفسه وأسرته خزنة المسلمين وحراسا لأموالهم. وعند وفاته لم يترك دارا ولا عقارا ولا مزرعة.. ولم يبق في خزانته إلا سبعة وأربعون درهما...
كان متدينا، وكان يصلي غالبا في جماعة ويصوم كثيرا مع ضعف بنيته... ويسمي نفسه خادم الحرمين...
وبقيادة صلاح الدين تمكن أهل الشرق من تخليص الأراضي المقدسة من أيدي الجيوش الصليبية بما فيها الألمانية والإنكليزية والفرنسية. وقيل أن من خرج من الفرنجة في البحر كانوا ستمائة ألف رجل، لم يعد منهم إلى بلادهم إلا واحد من كل عشرة.
وقد تسلم القدس في 2 ديسمبر 1187 بعد أن بقيت في أيدي الفرنجة إحدى وتسعين سنة، وأعاد لمساجد القدس طابعها الإسلامي وأزال التماثيل والصور ووضع فيها القناديل وفرشها بالبسط، ولم يوافق على هدم كنيسة القيامة انتقاما لما فعله الصليبيون في مسجدي الصخرة وسفيان. وجدد سور القدس وعمره بالأبراج واشترك هو وأبناءه والأمراء والقضاة والصوفية في حمل الحجار بالقفاف على الخيول.
وقد قام صلاح الدين بسياسة إنشائية إصلاحية خاصة بالقاهرة ومصر، فأقام مستشفى " مارستان" بقصر من قصور القاهرة لعلاج المرضى من الرجال والنساء وزوده بخزائن الأدوية، وعين فيها من يشرف على المرضى من الجنسين، واتخذ "محابس للمجانين" وعمر المدارس والجوامع الكثيرة، وأولى الفقراء والأيتام عناية خاصة، كما هدم في مصر حبسا كان أشبه بجهنم الحمراء، وأنشأ مكانه مدرسة، وأسقط عن المصريين ضريبة المكوس البغيضة، التي كانت قد فرضت على كل شيء إلا الهواء الذي بقي حرا.
لقد لقيت شخصية صلاح الدين الإعجاب الشديد على مر الزمان، كما لقيت مآثره الاحترام لدى أعدائه، فوصفوه بأنه سلطان عظيم، وملك كريم وملك رحيم. وقد شاع عدله وذاع فضله وظهر إحسانه.
واعتبره تشرشل من أعظم ملوك الأرض سياسة.
ظهر صلاح الدين حينما ساءت أحوال المسلمين في الشرق بضعفهم وتفرقهم وطمع فيهم أعداؤهم من دول أوروبا، فاقتطعوا جزءا من بلادهم، وأخذ صلاح الدين دور المدافع عنهم والمنقذ لهم من عدوهم، فكان ظهوره أشبه بظهور رجل من رجال الأساطير، فكان بحق بطلا من أبطال التاريخ