من علامات الساعة التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها ستقع قبل قيام الساعة أن النساء سيكن أكثر من الرجال؛ فقد روى الإمام أحمد وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ قَالَ: ) لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ قَيِّمَ خَمْسِينَ امْرَأَةً رَجُلٌ وَاحِدٌ (.
وفي رواية أخرى عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ: ) لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُمْطِرَ السَّمَاءُ، وَلَا تُنْبِتَ الْأَرْضُ، وَحَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ، وَحَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَتَمُرُّ بِالْبَعْلِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ مَرَّةً رَجُلٌ (.
قال الحافظ ابن حجر: قِيلَ: سَبَبه أَنَّ الْفِتَن تَكْثُر فَيَكْثُر الْقَتْل فِي الرِّجَال لِأَنَّهُمْ أَهْل الْحَرْب دُون النِّسَاء، وَقَالَ أَبُو عَبْد الْمَلِك: هُوَ إِشَارَة إِلَى كَثْرَة الْفُتُوح فَتَكْثُر السَّبَايَا فَيَتَّخِذ الرَّجُل الْوَاحِد عِدَّة مَوْطُوآت. قُلْت: وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقِلَّةِ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى الْآتِي فِي الزَّكَاة عِنْد الْمُصَنِّف فَقَالَ: "مِنْ قِلَّة الرِّجَال وَكَثْرَة النِّسَاء". وَالظَّاهِر أَنَّهَا عَلَامَة مَحْضَة لَا لِسَبَبٍ آخَر، بَلْ يُقَدِّر اللَّه فِي آخِر الزَّمَان أَنْ يَقِلّ مَنْ يُولَد مِنَ الذُّكُور وَيَكْثُر مَنْ يُولَد مِنَ الْإِنَاث، وَكَوْن كَثْرَة النِّسَاء مِنَ الْعَلَامَات مُنَاسِبَة لِظُهُورِ الْجَهْل وَرَفْع الْعِلْم.
وَقَوْله: "لِخَمْسِينَ" يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ حَقِيقَة هَذَا الْعَدَد، أَوْ يَكُون مَجَازًا عَنَ الْكَثْرَة، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى: ) وَيُرَى الرَّجُل الْوَاحِد يَتْبَعهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَة (.
وقال ابن حجر أيضا: وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة: يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِالْقَيِّمِ مَنْ يَقُوم عَلَيْهِنَّ سَوَاء كُنَّ مَوْطُوآت أَمْ لَا، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ يَقَع فِي الزَّمَان الَّذِي لَا يَبْقَى فِيهِ مَنْ يَقُول: اللَّه اللَّه، فَيَتَزَوَّج الْوَاحِد بِغَيْرِ عَدَد جَهْلًا بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيّ، قُلْت: وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ بَعْض أُمَرَاء التُّرْكُمَان وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل هَذَا الزَّمَان مَعَ دَعْوَاهُ الْإِسْلَام، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وقال السندي: القيم: من يقوم بالأمر، وقيامه عليهن، إما بسبب القرابة أو بسبب الزواج، يدل على أنه يتزوج أحدُهم بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي، والمراد بخمسين حقيقة العدد أو الكثرة، ويؤيد الثاني اختلاف العدد في أحاديث الباب، فقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري: ) ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة (.